top of page
Search
Hikmah - Center for International Law and Human Rights

عام على حرب الإبادة الإسرائيلية

Updated: Oct 8

5 تشرين أول 2024


الحرب

شنت إسرائيل في السابع من تشرين أول من العام 2023 حربا غير محقة وليست قانونية ارتكبت فيها جريمة الإبادة، جرائم ضد الإنسانية، وجرائم حرب في غزة. جاءت الحرب في اعقاب عملية مقاومة نوعية استهدفت نظام احتلال، ومحاصرة، وقمع غزة. تم الدوس على نظام حصار غزة. الأغلبية العظمى على الأقل من المدنيين الإسرائيليين الذين قتلوا يومها قضوا نتيجة إطلاق نار إسرائيلي متعمد. أخفت الرقابة العسكرية الإسرائيلية وحكومتها أداء الجيش الإسرائيلي يومها ونشرت أكاذيب تم تفنيدها عن اغتصاب نساء وحرق الأطفال.


لم يستطع الجيش الإسرائيلي، مجتمعه، وسائر المؤسسات الأمنية تقبل الهزيمة الفادحة. أعلنت الحرب وجند الإسرائيليون بمئات الافهم من أجل اعادة احتلال غزة وارتكاب مجازر الإبادة. تلقين درس للفلسطينيين والمنطقة. كما هو متبع من جيش لا يحارب وانما يقتل فقط تم اللجوء الى سلاح الطيران الإسرائيلي أولا لكي ينجز المهمة بأسرع وقت ممكن. تطايرت أشلاء أهل غزة على مرأى ومسمع العالم. ارتكبت جريمة الإبادة في الشهر الأول من الحرب ولم يقاتل الجيش الإسرائيلي بعد. تفاقمت من بعده ولم تنته حتى يومنا هذا. دخلت جحافل جيش إسرائيل غزة في الشهر الثاني من الحرب وقوبلت بأشجع وأنجع مقاومة فلسطينية في التاريخ الحديث رغم تفاوت الإمكانيات العسكرية بين الطرفين. لم تخمد نية الإبادة لدى الإسرائيليين متفاجئين من صلابة المقاومة الفلسطينية ومعتمدين على دعم أمريكي عسكري وأمني ودبلوماسي متواصل.


تجاوب الإسرائيليون بفئاتهم الساحقة مع رواية المؤسسة الأمنية الإسرائيلية وأوامرها. لا غريب في الأمر من مجتمع يعتبر القضية الفلسطينية معضلة وجودية وليس تهديدا وجوديا يتم التعامل معها أمنيا بواسطة استهدافه الفتاك من قبل دولته في تمويه سياسي للجريمة أسفل من الحضيض. منذ أوسلو أفق الإسرائيليين السياسي التخلص من الفلسطينيين اما باتفاق تنازل عن حقوقهم أو بإملاء عسكري. قبل ذلك لم يشكل الفلسطينيين كيانا سياسيا أو إنسانيا في وجدان الإسرائيليين. لا يمكن ان نستنتج خلاف ذلك بعد عام 1993 المفصلي.


كبحت قضية جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية وفقا لمعاهدة منع جريمة الابادة جماح التعبيرات العلنية عن نية ارتكاب هذه الجريمة ضد الفلسطينيين في غزة ووضعت إسرائيل في قفص اتهام دولي. لم تثن الإجراءات القضائية الدولية إسرائيل من ممارساتها العسكرية الابادية لا سيما وأنها تلقت مساعدة منقطعة النظير من الولايات المتحدة وبعض حلفاءها الطليعيين في حلف الناتو، ولكنها مراكمة مهمة في المجهود المضني والضروري من اجل الدفاع عن حقوق الفلسطينيين ونزع الشرعية عن إسرائيل بجدارة وقناعة. نشط في الولايات المتحدة المركز من أجل الحقوق الدستورية ضد تورط أمريكا في جرائم إسرائيل وأنجز قرارا غير مسبوق بلغته رغم استنتاج المحكمة عدم صلاحيتها البت في الموضوع من منظور القانون الأمريكي. انضم العديد من الدبلوماسيين الأمريكيين السابقين والخبراء القانونيين الى هذه القضية المبدأية.


بادر مدعي المحكمة الجنائية الدولية في استخدام صلاحيته في السياق الفلسطيني متأخرا وخاضعا للرواية الإسرائيلية التي هيمنت على الاعلام الغربي في الأشهر الاولى من جريمة الإبادة. رغم انه قدم طلبا لاعتقال نتانياهو وغالانت، الا أنه حتى الان تطبيق مدعي هذه المحكمة لصلاحيته غير مقنع ويجب مزاولة الرقابة العلنية على قراراته واعتبارات اللجنة المشاورة له.  


عم التضامن مع فلسطين وشعبها أرجاء العالم ابتداءا من العالم العربي ومن ثم أمريكا الجنوبية حتى عواصم عديدة في العالم برزت لندن في مثابرتها وجودة المواقف العلنية ضد العدوان الإسرائيلي. ساهم طلاب وأساتذة الجامعات الأمريكية في نشاط منقطع النظير ضد الإبادة الإسرائيلية اجتاح معظم ولاياتها مما أفرز ردا مكارثيا من محافظي أمريكا ومؤيدي إسرائيل العاطفيين من أجل تقويض النشاط الملهم الذي لا بد أن ينبثق عنه ردا عكسيا. رغم التحرك الدولي الشامل المؤازر لفلسطين يجب ان نتذكر أن التضامن الطبيعي هو نتيجة حراك أصحاب القضية وليس غاية قائمة بحد ذاتها يتم تحقيقها بموجب التخندق في موقع الضحية فقط.


الى جانب التضامن الدولي الشعبي بمعظمه، تدخل حزب الله واليمن بأسلوب عسكري انساني (humanitarian intervention) من أجل انهاء إبادة الفلسطينيين في غزة. ليس مفاجئا أن الدور البطولي المؤدى من قبلهما لم يفهم كذلك من قبل محللي ومنظري العلاقات الدولية والقانون الدولي في أمريكا وحلفاءها في الناتو أيضا.     


أمريكا

ساندت أمريكا إسرائيل في ارتكاب جريمة الإبادة ضد الفلسطينيين في غزة على كل المستويات. بايدن صهيوني أيديولوجيا ومتصدر لائحة متلقي التبرعات من المجموعات الضاغطة التي تعمل لصالح إسرائيل (ايباك وغيرها). زودت أمريكا إسرائيل بأسلحة طوال ارتكاب فظاعاتها في غزة علنا وسرا رغم علمها بممارسات إسرائيل العسكرية المشينة. ردت الدبلوماسية الأمريكية محاولات وقف اطلاق النار في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة مستخدمة حق النقض (الفيتو) بتلهف مفرط. عارضت كل المسارات من أجل محاسبة إسرائيل وفقا للقانون الدولي: قضية جنوب افريقيا بصدد جريمة الإبادة في محكمة العدل الدولية، قضية السلطة الفلسطينية بخصوص احتلال العام 1967 في القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة أمام نفس المحكمة، ناهضت تطبيق المحكمة الجنائية الدولية لصلاحيتها في السياق الفلسطيني، وأجهضت محاولة محاسبة إسرائيل وفقا لوثيقة جنيف الرابعة في سويسرا.


لم تكتف أمريكا بذلك بل ساهمت في المجهود العسكري الإسرائيلي من خلال التنسيق مع قائد المنطقة الوسطى في الجيش الأمريكي الجنرال مايكل كوريلا والعلاقات الحميمية مع وكالة الأمن القومي (NSA) ووكالة الاستخبارات المركزية (CIA). كانت أمريكا تنتظر فوز إسرائيل وسحق الفلسطينيين متمنية انبثاق نظام فلسطيني موال كليا لرغباتها المطابقة لأجزاء واسعة من اللوبي الإسرائيلي في أمريكا.


تعكس تركيبة إدارة بايدن وعي إسرائيل في المخيلة الشعبية لدى اليهود الأمريكيين. معظم أعضاء ادارته ينتمون الى هذه الشريحة من المجتمع الأمريكي وليسوا بالضرورة صهاينة. لكنهم يكنون التضامن التلقائي مع إسرائيل بفضل تنشئتهم ومكانة إسرائيل في عواطفهم الدفينة. أدت هذه المخيلة الى تجنيد تلقائي لافراد ومجموعات من المجتمع اليهودي الأمريكي لصالح إسرائيل وعملياتها العسكرية الابادية من ايباك (AIPAC) مرورا بجي ستريت (J Street) وحتى ذي فوروورد (The Forward). كما شملت اكاديميين لا يحترمون حقوق الفلسطينيين لعل أبرزهم نوح فلدمان وباري بوزن حتى محرر صحيفة نيويوركر الملتزم بخط الليبرالية الإسرائيلية غير الموجودة ديفيد رمنيك ولم تتجاوز بيرني ساندرز.

 

السلطة الفلسطينية والاقليم

نقل اتفاق أوسلو غير المنصف وغير المبرر الذي دفع محمود عباس اليه بحماسة منقطعة النظير الفلسطينيين الى حقبة كامب ديفيد المصرية مقارنة مع العزلة الإقليمية في الفترة التي سبقته. أصبحت الدبلوماسية المصرية الراعية الرسمية للفلسطينيين في مفاوضاتها مع إسرائيل وعلى مضض، لأن همها المركزي هو الداخل المصري. تلخصت سياسة مصر العربية بعد اقصائها من الجامعة العربية في اعقاب اتفاق كامب ديفيد مع إسرائيل بتبرير الاتفاق كانجاز عسكري واقتصادي لمصر ومقارعة الخصوم في التوجه. أبقت مصر على حالة لا حرب ولا سلام مع إسرائيل لا سيما أن الرأي العام الصحي لديها لا يحبذ دولة الاستعمار والابارتهايد إسرائيل ويتضامن فطريا مع فلسطين.


نالت اتفاقيات كامب ديفيد بين مصر واسرائيل رونقا كاريكاتوريا مع توقيع أربع دول عربية بتشجيع اقتصادي وسياسي وعسكري أمريكي أو دونه اتفاقيات تطبيع مع إسرائيل أثناء إدارة ترامب الموالية كليا لعائلة ادلسون في سياستها نحو القضية الفلسطينية، ومنضوية تحت لواء المتشددين من مشاهدي برنامج نادي ال- 700 الأمريكي والتي تتراوح احصائيتهم نحو 70 مليونا.


يعاني محمود عباس من مشكلة مصداقية جدية مع الفلسطينيين نتيجة التنسيق الأمني المفضوح مع إسرائيل، أسلوبه الأبوي والتسلطي في إدارة ما يقع تحت سلطته، المس في حيوية وشرعية الكيان السياسي الفلسطيني عن طريق تأجيل الانتخابات حتى في ظروف احتلال وابارتهايد، والالتقاء مع الإسرائيليين "المعتدلين" وحلفاءهم في أمريكا وأوروبا في الرؤية الكارثية لدولة فلسطينية تقضم معظم حقوق الفلسطينيين. لا يعوض النشاط الدولي الجيد في الأمم المتحدة عن ضرورة اسناده بقاعدة شعبية متينة ومشاركة في مناهضة الاحتلال الإسرائيلي، الابارتهايد، وشرعية إسرائيل.


التحقت مواقف السلطة الفلسطينية في الأشهر الأولى من العدوان الإسرائيلي وارتكاب جريمة الإبادة بالرواية الإسرائيلية التي عممها حلفاءها دوليا. اعتبر محمود عباس ان عملية المقاومة يوم 7 تشرين أول 2023 موجهة ضده أيضا وهكذا تم الإعلان عنها بالفعل. تأخر جدا حتى توقف عن لوم الفلسطينيين بجرائم إسرائيل الجلية والانتقال علنا الى موقع الدفاع عن حقوق شعبه.


لم يكن هناك افقا جديا لاتمام حقوق الفلسطينيين في أوج مرحلة أوسلو التي انحصرت بمراسيم توقيع وثائق أمنية فارغة من مضمون سياسي في البيت الأبيض والقاهرة عامي 1993 و 1995. المجتمع الإسرائيلي نخبا وعامة ودولتهم يرفضون الفلسطيني لأنه يذكر بفلسطين وعدم شرعية الصهيونية منذ نعومة أظفارها. منذ اكتشاف الفلسطينيين في السياق الإسرائيلي، أي بعد أوسلو، نشطت المؤسسة الأمنية الإسرائيلية في تركيع مجتمعها من خلال اجرامها وتقويض القضية الفلسطينية بلومها وعسكرها. تفضل إسرائيل هويتها واحتلالها وابارتهايديتها على حقوق الفلسطينيين.


بنية السياسة الأمريكية الداخلية تؤدي بالضرورة الى تجاهل فعلي لحقوق الفلسطينيين بغض النظر عن خطابات وزير الخارجية الأمريكي الدوري عن "حل الدولتين". لا يوجد أمام الفلسطينيين خيار سوى مناهضة النظام الإسرائيلي ونزع الشرعية عنه حتى التحرر الحقيقي من فقاعة إسرائيل وصهيونيتها.

   

’أكاديميون ونشطاء‘: فلسطينيو الداخل، الصهيونية، وشرعية اسرائيل

في منتصف تسعينيات القرن الماضي طرأ على خطاب فلسطينيي الداخل مفهوم الأكاديمي المسيس الذي يفترض أنه مثقف أيضا. تعد هذه الظاهرة تقدما سوسيولوجيا ملموسا خاصة مقارنة مع ما ساد من قبلها من اتكال على بلاغة الاشعار من أجل تمكين الذات او رسم صورة روائية دقيقة عن صمت فلسطينيي الداخل امام الاسرائيلي بكافة شرائحهم الطبقية والسياسية. نشرت شعارات ايديولوجية انطباعا عن وجود وعي حقوقي منقطع النظير في صفوف فلسطينيي الداخل منذ أول أيام الدولة العبرية. الحقيقة كانت وما زالت انفصام استعماري عنصري بين حيز هؤلاء والدولة الإسرائيلية لم يترجم حتى يومنا الى طاقة سياسية بناءة غايتها استبدال الدولة الاسرائيلية بنظام دستوري يحتوي القضية الفلسطينية أيضا.


ضروري مناقشة الصهيونية تاريخيا، وسياسيا، وعمليا. لجنة انتخابات الكنيست والمشورة القضائية بشأنها هامش لا يرتقي الى مستوى متطلبات القضية الفلسطينية. شرعية دولة إسرائيل هشة منذ أول أيام الصهيونية في فلسطين. قوى خارجية استعمارية أنشأت القاعدة القانونية للصهيونية في فلسطين رغم غرابتها الجغرافية وديمغرافيتها الهامشية من خلال نفوذها في المؤسسات الدولية آنذاك. مرافعة صهيونية متنفذة في بريطانيا دفعت نحو وعد بلفور وشبيهتها في أمريكا أدت الى قبولها قرار التقسيم المجحف الذي صدر عن الأمم المتحدة. اللاسامية الاوروبية والمحرقة النازية لا تنتجان حقا للصهيونية في السيادة في فلسطين، وانما حقوق لليهود المعنيين مقابل الدول المضطهدة. كانت رغبة الصهيونية (وما زالت في الصميم) حكم فلسطين دون العرب وليس اللجوء اليها ولم توفر إرهابا محليا وخارجيا موثق في صحيفة هارتس مجاهرة من أجل الوصول الى هذه الغاية. احتل وعي الهولوكوست عقول نخب فلسطينيي الداخل المتشائلة وشبه النقدية أكثر من أولوية القضية الفلسطينية لعشرات السنين وربما حتى يومنا هذا. لا بد لمرحلة مختلفة أن تبدأ.


نتانياهو وبايدن، أيلول 2023. المصدر: تايمز أوف ازرائل، 20 أيلول 2023.


178 views0 comments

Comments


bottom of page