10 كانون أول 2020
مروان دلال
يهدف هذا المركز الى ترسيخ سلطة القانون الدولي نحو دول قوية عسكريا لا سيما الولايات المتحدة وبريطانيا. كما يتخذ من القضية الفلسطينية موضوعا لمناهضة إسرائيل لانها تخرق حقوق الشعب الفلسطيني يوميا.
تعرف الولايات المتحدة نفسها كنقيض للقارة التي تقع جنوبها وتشن حروبا في شتى انحاء العالم بناءا على هذا التعريف وان اختلفت مبررات الحروب ومسبباتها، مباشرة كانت أم مكبوتة.[1] لا تقتصر تدخلات الولايات المتحدة بشؤون دول وشعوب على النشاط العسكري فحسب وانما يشمل أيضا عمل استخباراتي مثابر ومدمر بواسطة وكالة الاستخبارات الأمريكية غايته نشر الفوضى وعدم الاستقرار والتحريض على نشوب حروب تقليدية وأهلية. لا يوجد للولايات المتحدة حليف عسكري واستخباراتي أقوى من الجيش البريطاني وأجهزته الأمنية. لم تختلف ممارسات الدولتين قبل انتهاء الحرب الباردة عن دورهما بعد زوالها. تعيد الدولتين انتاج سياستهما غير مكترثتين بالممارسة الديمقراطية البيروقراطية في كل منهما.
فضلا عن بيع الأسلحة والسيطرة على موارد طبيعية يهدف تأجيج الحروب والفوضى الى بث اللوم نحو مجتمعات مختلفة لإثراء عقد النقص فيها وهي مستشرية. فمن يطلع على الصحافة الامريكية والبريطانية التي تكتب عن حروب تقليدية وأهلية يكتشف بسهولة الازدراء الموجه للمجتمعات الواقعة تحت وزر الحروب رغم علم هذه الصحافة هوية من ساهم في نشوب نزاعات اثنية وطائفية في أماكن مختلفة من العالم. لا ينجو من هذه المعرفة دبلوماسيو هذين البلدين ومحللي السياسات الحكوميين ولكنهم يقتدون بمنطق غيبي وبسيط جدا: الصمت أو الوظيفة. يبدو للوهلة الأولى الكتابة عن تأثير شبه كوني لدولتين مبالغ به. ولكن هذه الحقيقة هي في لب النظامين السياسيين في هاتين الدولتين.
تبلغ ميزانية وزارة الدفاع الأمريكية السنوية 740 بليون دولار. أكثر من ضعف ميزانية وزارات الدفاع في دول حلف الشمال الأطلسي (ناتو) وكندا مجتمعة. تقزم هذه الميزانية إنفاق مماثل في روسيا (62 بليون دولار) والصين (168 بليون دولار) ودول أمريكا الجنوبية مجتمعة (52 بليون دولار)، والهند (71 بليون دولار) وباكستان (10 بليون دولار) وكل دول القارة الافريقية (41 بليون دولار). تتصدر المملكة العربية السعودية قائمة الانفاق العسكري سنويا في المنطقة (نحو 60 بليون دولار) يكرس جزء لا بأس منه لاقتناء أسلحة أمريكية وتتلوها البحرين (20 بليون دولار تقريبا) مهتدية بنفس المنطق. تنفق إسرائيل نحو 20 بليون دولار على ميزانية وزارة الدفاع وهو مبلغ هائل مقارنة بحجمها كما تعد من أبرز الدول المصدرة للأسلحة دوليا خاصة الى دول افريقية تعاني من حروب أهلية متكررة. ضف الى ذلك تلقيها مساعدات عسكرية أمريكية بقيمة 38 بليون دولار لفترة عشر سنوات
منذ العام 2016. مقارنة، تنفق الأردن نحو بليوني دولار (2 بليون) على ميزانية وزارة الدفاع.
حتى يومنا هذا ما زالت ميزانية وكالة الاستخبارات الأمريكية (CIA) وعدد موظفيها الحقيقي قيد الكتمان. هذا في بلد ثرثار لا ينفك عن مزاولة رياضة التكلم عن الديمقراطية، الحكم الصالح، الشفافية، وسلطة القانون. وان خضعت هذه المؤسسة الأمنية الى بعض من المحاسبة من خلال تقارير لجان عينية في الكونجرس الأمريكي، الا أن جل نشاطها الدولي المؤجج للحروب التقليدية والأهلية يبقى خارج نطاق أي محاسبة برلمانية كانت أم قضائية.
سياسات الولايات المتحدة الدولية، لا سيما المضمرة، تشكل موضوع المخيلة الشعبية الأمريكية من خلال ثقافة الموسيقى، والأفلام، وبرامج المقابلات المسائية.[2] ولا تنفى من قبل النشاط السياسي السائد، لكن دون تقبل المسؤولية عن الممارسة التدميرية في السياسة الخارجية وانما من خلال الخضوع لواجب انكارها. وهي معطى متعارف عليه في السياق الأمريكي ليس بحاجة لبرهان علمي أو غيره. ويتم الإقرار به مع اتخاذ مواقف متباينة بناءا على طبيعته وبدون تحليله باستثناءات ضئيلة. وينطبق ذلك على نوعم تشومسكي وكورنيل وست الى نيوت غينغريتش، ومن جوئيل بينين الى برنارد لويس، ومن دنكن كينيدي ورونالد دووركين الى انتونين سكاليا، ومن رتشارد فولك مرورا بهارولد كو وحتى جون يو. المقولة بأن المجتمع الأمريكي لا يعلم سياسة دولته الخارجية غير دقيقة. العكس هو الصحيح: يدرك هذا المجتمع دور دولته المنتج للأزمات دوليا ولكنه يفضل عدم الاكتراث. تخيلوا العبء النفسي المقرون بتحمل المسؤولية عن حروب وقتل للأبرياء ونزوح جماعي. النظام السياسي الأمريكي مبني على تواجده داخل المؤسسة العسكرية أو كما يقال أمريكيا "في واشنطن" (In Washington).
توجد مصطلحات خاصة في الثقافة السياسية الأمريكية التي تشي بتخريبية السياسة الأمريكية دوليا كالكلمات جحيم (hell)، وصعوبات (difficulties)، وصدمة (shock)، وتحدي (challenge)، ومشكلة (problem). عنوان حملة بيرني ساندرز الرئاسية هو تلخيص لهذا النهج المؤسساتي دوليا: لست أنا. نحن (Not me. Us). سوف نحلل سياسات وكالة الاستخبارات الأمريكية المدمرة باسهاب تاريخيا وقانونيا في تقرير سنصدره في العام المقبل.[3]
لا نعتبر أنفسنا جزءا من القوى السياسية والجمعياتية الأمريكية التي تنشد الدمقرطة واحترام حقوق الانسان خارج الولايات المتحدة ومن ضمنها في دول عربية. احترامنا لذكائنا يحتم علينا عدم التعاون مع هذه القوى ومناهضتها كما يتم معارضة سياسة الدولة الأمريكية. فلا يعقل أن نقبل عظة من يعلم بدور حكومته المدمر دوليا ولكن يختار أن يتجاهله وقد يفتخر بذلك في دولته. لسنا أغبياء.
جل عملنا المعارض للسياسات الأمريكية والبريطانية باللغة الإنجليزية الا أننا لسنا جزءا من هذه المجتمعات بيمينه ومركزه ويساره. منذ العام 2013 نصدر تقارير بحثية وبيانات ضرورية في مواضيع عملنا ونراقب عمل محاكم دولية. قد نتفق مع بعض القوى السياسية أو الأفراد، ولكننا لسنا يسارا أمريكيا أو بريطانيا. مع احترامنا الشديد لالتزام ادوارد سعيد المعرفي والسياسي الا أننا لا نعتقد ان قراءة متبادلة للأعمال الأدبية ستؤدي الى تقارب بين المجتمعات. نفضل أن نحتذي بقصيدة محمود درويش عن نعت من يفتك بنا، علنا وفي الخفاء: العدو.
لا نحاول أن نجند تضامنا مع القضية الفلسطينية في هاتين الدولتين أو أن نكون بوقا لحركة مقاطعة أسرائيل. من يرغب باتخاذ هذه المواقف في هذين المجتمعين فهذا اختياره. الا أننا لن نتردد في مواجهة من يعمل على تشويه حقوق الشعب الفلسطيني في هذين البلدين. ولا نكترث بالتعريفات والمواصفات السياسية في أمريكا وبريطانيا خاصة المتعلقة بالراديكالية والاعتدال. فما هو راديكالي عندهم قد يكون الطبيعي أو القانوي في دول أخرى والمفروغ منه عربيا أو فلسطينيا.
نستمد موقفنا الوطني المتعلق بالقضية الفلسطينية من حقوق الشعب الفلسطيني كما تشكلت قبل اتفاق أوسلو في العام 1993 وليس عند انحسارها من بعده. وتشمل هذه الحقوق القناعة بأنه أخلاقيا، وقانونيا، وتاريخيا لم تمتلك الحركة الصهيونية الحق بإقامة دولة في فلسطين التاريخية، قبل الحرب العالمية الثانية وبعدها. إنشاء دولة عنصرية واحتلالية تضاهي دولة الابارتهايد في جنوب أفريقيا لا تدحض هذه القناعة وانما تثريها. لا نحتكم في المسألة الوطنية الفلسطينية للموقف العربي الرسمي، ولا لليسار الصهيوني أو ما بعده. وهذا الأخير استنتج امكانية حضوره بعد افتراض تحقيق الصهيونية أهدافها. ولو لم تنجز هذه الأهداف لما وجب الانتقال الى مرحلة ما بعد الصهيونية في حركة تطور اليسار الإسرائيلي المتخبط أبدا (على ماذا؟). حاجة مجالسنا المحلية للميزانيات والنزاعات بصدد الوظائف فيها لا يمكن أن يشكلا مدخلا لموقف وطني مقنع، ولا بهلوانيات برلمانية مستلهمة من وحي الأحزاب الإسرائيلية المتدينة تدعم هكذا موقف.
نسعى للعمل بمهنية رفيعة كالتزام نحو أنفسنا وليس كمشروع سياسي يؤسس لمرحلة مختلفة عما سبقها. ولدينا ما يكفي من الاستقلالية المعرفية والموارد الاقتصادية لكي نحقق أهدافنا.
وأخيرا، لماذا غروتيوس – مركز من أجل القانون الدولي وحقوق الانسان؟ هوغو غروتيوس (1583 – 1645) هو مفكر هولندي كتب في مجال القانون الدولي. اخترت هذه التسمية كنقد لزملائي السابقين في قسم الاستئناف لمكتب المدعي في المحكمة المتعلقة بالحرب الأهلية في يوغوسلاقيا الموجودة في لاهاي، هولندا بعد اطلاعي على أسلوب عملهم عن كثب. والعديد منهم انتقلوا الى المحكمة المجاورة الخاصة بلبنان والتي تعنى بمسألة الاغتيالات السياسية ليشغلوا مناصب مؤثرة فيها مقتنعون بفرضيات غير منطقية دون معرفة تاريخ لبنان أو تاريخ المنطقة. مما أدى الى استقالتي من المحكمة واصراري على تقديم نظرية بديلة لفرضية الادعاء في هذه المحكمة. موضوع إضافي على جدول أعمالنا ابتدأنا به.
المقال المقبل سيتناول إدارة جو بايدن الأمريكية وسياسته المرتقبة.
.
[1] Richard Falk & Samuel Kim (eds.), The War System: An Interdisciplinary Approach (Routledge, 1982); Dave Vine, Base Nation: How U.S. Military Bases Abroad Harm America and the World (Metropolitan Books, 2015).
[2] Oliver Boyd - Barrett et al, Hollywood and the CIA: Cinema, Defense and Subversion (Routledge, 2011).
[3] Douglas Little, “Mission Impossible: The CIA and the Cult of Covert Action in the Middle East”, 28(5) Diplomatic History, pp. 663-701 (2004).
Commentaires